أنسنة الشعر؟ … سعد الحميدين
تمتاز الأنا في نصوص الحداثة بأنها بلا ذاكرة ولا ذكرى، فهي لا تتحدث عن واقع، ولا عن فردوس مفقود، ولا عن أمكنة أو أزمنة. إنها معلقة خارج المكان وخارج الزمان، هي أنا بلا بدء ولا منتهى&”
(ح/ناظم)
لعل ميزة الشعر التي يتفرد بها هي حالة المباغتة التي يستلب فيها بتلقائية من سيكون تحت سلطته الأبوية كابن له يتربى في كنفه، يؤدي ما عليه من واجبات تجاه أبيه في طواعية لا متناهية، إذ سيسير حيثما يوجهه حدسه الشعري معبراً عن مكنونات الذات التي تأتت في دائرة الموهبة التي هي في الأصل من باغت المعني بالشعر بالتلقائية منذ البداية، وكل شاعر في العالم لم يكن يعرف أنه سيكون شاعراً إلا بعد أن فاجأته ومضة إشارة الشاعرية ذات وقت لم يكن محدداً، ولكنه أمسك به ليقول ما يرى أنه يعبّر عن حالة آنية حتمت عليه أن يفرج عنها بالشعر في خروج إلى الدائرة الأوسع المستوعبة للصور الإنسانية في حالات الأفراح والأحزان، وما يعمل في النفس الإنسانية من تفاعلات هي جوهر ما يدل على معنى الإنسان، بالرغم من أن من يرى أن هناك &”كارثة انحسار قراءة الشعر، متسائلاً أهي جزء من انحسار المقروء أمام المرئي؟ أم هي علة تكمن في الشعر أولاً وفي الوضع العالمي لتراجع القراءة ثانياً؟ وهل الأمل بإنعاش هذه العلاقة واقع على عاتق الشعراء؟ أم على عاتق التلقي والمتلقين؟&” هذا ما وجهه د. حسن ناظم كسؤال إلى الشاعر فوزي كريم الشاعر العراقي الشهير الذي اختار المنفى ليمارس كتاباته وهواياته الأخرى، ذهب إلى لبنان سنوات ثم كان الاستقرار -في لندن- المنفى الذي كان فيه منبع عطاء متنوع الألوان، تمثلت ألوانه في الشعر، والنقد، والموسيقى، والرسم، والترجمة، وقد خص ناظم الشعر في سؤاله فقط؛ لكون الشاعر فوزي كريم ينافح عن الشعر الحقيقي ويراهن مصراً على بقائه وازدهاره متى ما كان -الشعر- مهتماً بالإنسان ومعاني الإنسانية، ويكون رد الشاعر فوزي كريم الذي كان تركيزه على حالة بدأت في الستينيات وخاصة عند الشعراء العراقيين الذين كانوا يمثلون الطليعة بالنسبة للحداثة الشعرية بعد نازك الملائكة وبدر السياب، مثل عبدالرزاق عبدالواحد وسامي مهدي، وغيرهم، ولكنه توقف عند (عبدالرزاق/ سامي)، متكئاً على حصر شعرهما في مواكبة أطروحات الأيديولوجيا السياسية وخاصة نظرتهما التي يصفها بأنها تنفي كل شعر لا يندرج ضمن المسلك الذي يمثلانه مستفيدين منه مراكز عملية ومادية؛ حيث كل منهما يعمل لذاته الخاصة دون أن يكون للآخرين نصيب في المكان خشية المزاحمة، مدرجاً شعرهما تحت تعريف ما يشبه التهريج وانعدام الجدية، ولا يكون مبتعداً عن ذكر الأسماء في مواطن عديدة من دراساته وكتاباته حول الشعر.
الرياض