ولكن ..نقاومها… ابتسام فهد الحيان*
تعود بي راحلة الأيام إلى الماضي الأنيق ، حيث كنت في أدراج المرحلة الثانوية ،تحديداً في الصف الثالث حين كنا ننهل من حقول العلم وينابيع المعرفة لمادة الأدب العربي بقيادة صانعة الأجيال المعلمة القديرة /بدرية النافع ،حيث قصّرت إحدى الطالبات في حل الواجب المنزلي فسألتها معلمتي عن سبب تقصيرها فأجابت : لدِّي ظروف .
فكان الجواب الحكيم من أ/بدرية : جميعنا لدينا ظروف ولكن (نقاومها).
لن أسهب في إعجابي الشديد بالقديرة أستاذتي فما حروفي إلا شمعة في كوكبة ضياء الفكر الحكيم الذي تمتاز به ،إذ أن رسالتها التربوية لم تقتصر على تلقين الشعر وحب القصيدة بل أسمى من ذلك بكثير ، إلى كيف تقاوم تحديات الحياة بمتعة والمواقف كثيرة اقتبست إحداهن موضوعا لكلماتي .
لا أخفيكم سرا أن هذه الكلمة أصبحت في الرف الاول لمكتبة أهدافي ، في كل كَبَدً أواجه أو عثرة تعيق تقدمي في مرحلة ما ،إذ الإنسان لا يتلقى العلم في المدرسة فقط بل من خلال اختبارات مستدامة وتجارب متفاوتة ومؤشر الأداء هو في مدى تخطي الأزمة والقفز إلى الخبرة التالية.
القرار الواعي شعور ثم فكرة ثم سلوك مبرمج لتغيير الوضع الراهن للفرد (الحالة النفسية)وليس الموقف ومن ثم تمكين الإنسان من التمازج الواقعي مع الحياة (التكيف السوي ).
برغم أن هناك صنف من الناس يعشق التفاصيل الرمادية وأركان السواد في قصته ،ويرفض الخروج من بوتقة الألم إلى منطقة الراحة .
والحقيقة في ذلك الرضا بإنخفاض القيمة الداخلية (الأنا) وعدم ترقيتها إلى ما بعد النضج.
تضارب امواج الأقدار ورادة.. وصراع الرغبات جائز ..وعبور جسور الإحباط متوقع ،والحكمة في ذلك توسيع مدارك الآفاق لكل منّا ،وبين هذه وتلك لا يغيب عن الذهن التمتع بالرحلة والانسجام والتناغم قدر المستطاع.
في أحلك الظروف وأقساها كما في قصة مريم ابنه عمران عليها السلام حين اشتد المخاض وزاد الكرب ،جاء التنوير الإلهي في قوله تعالى ( فكلي واشربي وقري عينا) لأن الأصل في الإنفراج وليس الانقباض ومالثانية إلا طريقاً ممهداً إلى الأولى.
إذا أدركنا هذا التسلسل المرحلي لمتغيرات الأحداث سنشعر بأهمية قيمة اللحظات الوسطية وأهميتها وذلك بما يلي :
١/تخفيف التوتر.
٢/ تحسين العلاقة مع الحدث إلى حد الهدوء وعدم تجاوز الأذى إلى العقل (القلق ).
٣/خلق الثروة الفكرية تجاه الموقف (استكشاف الحلول).
٤/التحرر من الصدمات النفسية والبحث عن جوانب بيضاء في زوايا الواقع(تفاؤل)
٥/ الاهتمام بالصحة البدنية .
وأخيراً ..
نحن ننمو من خلال التجربة الفعلية واجتيازها،لذا سلامة المنهج الفكري من شوائب الجهل وندب الحظ والحرص على سلامة أدواته وازدهارها من اقوى عوامل التعايش مع الظروف (بإبداع) ولربما تجاوزها.
fahad.ebt@hotmail.com*