الجن والشياطين في مفاهيم العصر الحديث … سطام المقرن
هناك ظاهرة بدأت تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، تتمثل في قيام بعض الشباب بتصوير مقاطع فيديو في البيوت المهجورة، وقراءة آيات من القرآن الكريم فيها، بزعم وجود الجن والشياطين في هذه البيوت، وتُظهر هذه المقاطع وجود أشباح وأصوات مخيفة، تعقبها نار ودخان كدلالة على خروج الجن والشياطين منها.
وبالطبع، فإن هذه المغامرات ما هي إلا خداع وتزييف، الهدف منها كسب أكبر عدد من المتابعين، أو التظاهر بالشجاعة والبطولة أمام الناس.
هذه الظاهرة -في الحقيقة- تعكس ثقافة المجتمع في تصور الجن والشياطين، والتي تبدأ من تربية الأطفال على وجود
أرواح شبحية، لها معجزات حسية وقدرات خارقة، تستطيع أن تتشكل في صورة إنسان أو حيوان، ويتم ترسيخ مثل هذه التصورات في أذهان الأطفال في المدارس، فتروى لهم القصص والحكايات عن عالم الجن والشياطين، وإمكان حضورهم وتحضيرهم وتلبسهم للإنسان، وقدرتهم على إيذاء الناس أو تقديم العون لهم، أو تلاعبهم وعبثهم وتخويفهم للناس في البيوت والصحراء والأماكن المهجورة.
وعلى هذا الأساس، يتم تعليم الأطفال ثقافة الخوف من الجن والشياطين، ومن هنا ينشأ الخوف عند الأطفال.
ومن ذلك -على سبيل المثال- الخوف من الظلام، أو الخوف من أن يبقى الطفل وحده، أو يتخيل وجود أشباح مرعبة قد تحضر في أي لحظة، وعندما يعيش الطفل في مثل هذه الأجواء، فلا شك أنها تؤثر في شخصيته في المستقبل، وقد يخاف من كل شيء، ويصبح بعدها أسيرا للأساطير والخرافات، وفريسة سهلة للدجالين والمشعوذين والسحرة.
لقد أصبحت هذه الثقافة «تصور الجن والشياطين» عقيدة راسخة في المجتمع، وليس هذا وحسب، بل تستند هذه الثقافة إلى القرآن والسنة.
وكما هو معلوم، فإن غالبية المسلمين -بمختلف فرقهم ومذاهبهم- متفقون على عدم الاعتراف بالعقل لنقد عيوب معتقداتهم، مع أنهم يرون أن نقد المعتقدات الأخرى بواسطة العقل، هو من أعمال الخير الواجبة في سبيل الدفاع عن الدين!.
لا شك أن ذكر الجن والشياطين قد ورد في القرآن الكريم في أكثر من آية، ولكن السؤال المطروح هنا: هل مجرد ورود ذكر الجن في القرآن يعني بالضرورة موافقة كتاب الله على المفهوم السائد بين الناس، بأن الجن والشياطين لها قدرات خارقة، وتستطيع أن تتلاعب بالناس وتخيفهم، وتعلم الغيب، وتدخل أجسادهم، وتسبب لهم المرض والصرع والجنون؟.
الوطن