الحوار الرقمي في العملية التعليمية … شوقية بنت محمد الأنصاري
من رسالة الدين الخالدة انتظم نظم القول بكل فائدة، وتبادل المسلمون الحوار بكلم طيب وعلم نافع، فخلد التاريخ سيرتهم عبر العصور الماضية، وتوارثنا الكلمة الطيبة وأورثنا كنوزها للأجيال ليشرق مستقبلهم ببصمة تعليمية شاهدة،ويرتقون ببعضهم نحو الهمم،ويبنون أمجاد حضارة ليكونوا خير قدوة للأمم،من هذا المنطلق جاءت مشاركة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في ملتقى مكة الثقافي بدورته الخامسة ليعزز رسالته وأهدافه بنشر ثقافة الحوار وترسيخ قيم التعايش والتلاحم الوطني بلغة حوارية رقمية تواكب لغة العصر والمستجدات،وتبثّ طيب الكلم في أصعب الأزمات،بالمساهمة بعدة موضوعات، تنتظم محاورها مع أهداف وطبيعة الملتقى، لتتنوع الأطروحات من المعارف الرقمية وتأثيرها في المجتمع، وتوظيف الحوار في العالم الرقمي، وتأثير الحوار الرقمي في العملية التعليمية، والإبداع في الحوار الرقمي، والثقافة الرقمية وعملية التحول الوطني،وتأثير الثقافة الرقمية في المنظومة التربوية، والمواطنة الرقمية، بالإضافة إلى تعزيز الولاء الوطني ودوره في حماية النسيج المجتمعي، والحوار حول تأثير المعرفة الرقمية على مستوى إنجاز الوزارات الحكومية.
والتعليم يشكل منظومة حياتية لا تنقطع في أي زمان ووقت وعصر،وركيزة أساسية وحجر زاوية في كل مشروع،وبذرة في أرض بخيراتها تؤتي حصادها في كل حين، وشريك قوي حاضر لتنمية المجتمع وتحقيق أهداف الرؤية في بناء الانسان والرقي بالأوطان،وبحكم اختصاصي المهني جاءت تجربة التعليم عن بعد ببصمة تفاعلية متميزة،فوُظِّفت الوسائل والأدوات الإلكترونية لتواكب رحلة التطوير التعليمية وتصنع المنجزات لجيل يقود مشاريع الوطن بفكر واعد وإبداع ملهم ، باستخدام الإنترنت في مجال التعليم عن بعد، وتنوع طرق وأساليب التعليم والتعلم، فبدت العروض مرئية وكرتونية، والألوان مبهجة والأصوات حاضرة في الألعاب التعليمية ومعبرة بواقع معزز،وتجارب ماتعة وقصص وكتب الكترونية، فبات المتعلم مبحرا في عالم المعرفة الرقمي بكمِّ هائل من المعلومات وبجهد ووقت مختصر يتجاوز بالإنترنت معالم فصله الافتراضي وحدوده المكانية والزمانية، وذلك بطريقة آمنة وبإشراف معلم مبدع في لغة التواصل مع المتعلم، والرد على استفساراته وتوجيه مهاراته وبثّ الوعي لديه بصقل موهبته وإبداعه ومشاركته التقييم لرفع انتاجيته. من هنا بدأت المؤسسات والمراكز التعليمية تتنافس على توظيف الحوار الرقمي في مناهجها وفصولها الافتراضية،ليزداد التشويق والتحفيز في رفع سقف الدافعية لدى المتعلم؛ليكوّن أداة حكمته الخاصة وقراره الجريء على التنافسية،وتتحقّق بذلك معايير التقدم والازدهار للغة الحوار الرقمي في العملية التعليمية.
فالحوار الرقمي كما ذكره (اندريس شلايشر-التطور في بحوث التعليم الرقمي) هو منظومة تعليمية متكاملة باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات التفاعلية على أجهزة الحاسب الآلي بطرق مختلفة، لإيصال العلم والمعرفة للمتعلمين ولمن يرغبون بالحصول على المعرفة.
وذكر(عمر موسى محاسنة في إحدى مقالاته بمجلة دراسات) يمكن تطبيق وتوظيف التقنيات والتكنولوجيات الرقمية في مجال التعليم بعدة أشكال وصور مباشرة كاستخدام الأساليب والتقنيات التعليمية التي تعتمد على الإنترنت،أو صور غير مباشرة من خلال عقد الدورات والندوات التدريبية والحصص المنظمة،ومن أهم هذه الصور والأشكال التي تساهم في تطوير العملية التعليمية ما يلي:
-المحاضرات الإلكترونية: وهي إحدى طرق عرض المعلومات والحقائق وأكثرها انتشاراً،حيث يتم تقديمها من خلال ملفات الصوت وملفات الفيديو وملفات النصوص وغيرها.
-التعليم المبرمج الإلكتروني: ويعتمد على تقسيم المحتوى التعليمي إلى وحدات تعليمية صغيرة مترابطة،وهو من أساليب الحوار الرقمي الذي ساعد المتعلمين على اكتساب الخبرات والمعارف عن طريق التفاعل الإيجابي مع البرامج التعليمية الإلكترونية، تنظيم بيئة تعليمية تتيح للمتعلمين أن يتعلموا سوياً في مجموعات صغيرة .
-التعليم التعاوني الإلكتروني: ويتم من خلال الاتصال المتزامن للمتعلمين مع بعضهم من خلال شبكة الإنترنت باستخدام أحد البرمجيات والتقنيات الرقمية كمؤتمرات الصوت والصورة والنصوص والمناقشات عن بُعد، باستخدام اللوحات الاخبارية والمنتديات والبريد الإلكتروني وصفحات الويب.
-التعليم المدمج: وهو الذي يجمع بين التعليم التقليدي والتعليم الرقمي، حيث يعتمد على ربط أدوار المعلمين التقليديين في الفصول الدراسية التقليدية والفصول الافتراضية والمعلمين الافتراضين، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة لتبادل الخبرات والمعارف.
وبهذا فمهما تنوعت الأشكال والطرق التعليمية إلا أنها تجتمع وتتحد في مكونات الحوار الرقمي في العملية التعليمية كالمناهج والعناصر التعليمية الإضافية للمتعلمين والمعلمين وأعضاء الهيئة التعليمية، لترتبط بشبكة إلكترونية عبر أجهزة الحاسب الآلي والبرامج ومواقع الإنترنت، وفق خطة محبوكة الجودة من برامج وأنشطة تتعلق بالحوار الرقمي واستراتيجياته وأهدافه.
وجاء في مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية مقال بعنوان -دور التعليم الرقمي في تحسين الأداء لدى المعلم والمتعلم (البيئة المهنية نموذجاً)، ليرسم أهم الأهداف التي يجنيها أطراف العملية التعليمية من تفعيل الحوار الرقمي في تطوير التعليم:
1.تلبية رغبات وحاجات المتعلمين العلمية والمعرفية.
2.تطوير عملية الاحتفاظ بالمعلومات المكتسبة وسهولة الوصول إليها عند الضرورة.
3.تحفيز التفاعل بين طرفي العملية التعلمية المعلم والمتعلم، وسهولة التواصل بينهم.
4.تجديد المعلومات والمعارف وترتيبها حسب الأهمية والحاجة لها.
وليس بعد هذا الجهد الوطني في تيسير التطورات التقنية والتكنولوجيا المتتالية والمستمرة في الوقت الحالي لتواكب التدفق الهائل من المعلومات والمعارف، سوى إنتاجية تعليمية رقمية من منصات وتطبيقات، ولغة حوارها ترتقي بالعقول والعلوم والفنون لتحقيق نهضة عصرية، يصل صداها بكلمة طيبة وقيم متسامحة لتزرع الأمل وتحيي الفكر، وتبثّ الوعي بين الأجيال الرقمية بعمل مبتكر، لتوقف ما يواجهها في المواقع المزدحمة بعبارات الاستخفاف والتنمر وقد تصل لانتحال الهوية والتحرش والإدمان المؤذي والجرائم الابتزازية الالكترونية، أو تفاهة منطق وتكرار مرير لا طعم له ولا لون يستخدمها البعض في تداولات يومية بلغة عامية أو أجنبية دون أن يثريها بجماليات تتجدد بصوت الضاد وسحر لغتنا العربية، فزاد إيماننا ويقيننا بأن للغة الحوار إشراقا وتحفيزا ذا أثر على الجيل وروحهم الشغوفة الحالمة، فالطفل الفضولي مشروع لباحث المستقبل. بشراكتنا التطوعية كأفراد وشراكة مؤسساتنا الحكومية سنحقق من لغة الجمع تحولا وطنيا يجعلنا بين مصاف الدول وقدوة للعالم بلغة إنسانية حوارية رقمية،كما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله-أن (التعليم ركيزة أساسية تتحقق بها تطلعات شعوب أمتنا الإسلامية نحو التقدم والازدهار والتنمية والرقي الحضاري في المعارف والعلوم النافعة).