«المدير المزهرية» والفراغ الإداري! … محمّد النغيمش
إذا كانت «الطبيعة تكره الفراغ» كما يقال، فإن الفراغ في العمل الإداري أدعى أن يُكره. ذلك أن كل فراغ حولنا هو في الحقيقة ليس كذلك، ما عدا الفراغ الإداري.
فتجد مسؤولا يجلس على كرسيه الوثير، لكنه في الحقيقة وجوده كعدمه. وهذا ما يسمى عندنا في نظرية القيادة التحويلة بمبدأ عدم التدخل laissez – faire أي ترك الموظفين يسرحون ويمرحون، لكن أبحاثا عدة أظهرت سلبية هذا الأسلوب. فتبين أن ممن يتبنى هذا الأسلوب ذلك المسؤول الذي لا يبادر بشيء إلا عندما يطلب منه ذلك، وإن فعل فعله على مضض. ولا يكلف نفسه عناء حل مشكلة إلا حينما يقع الفأس في الرأس، هذا إن كان يعرف كيف يحلها أصلا!
هذا الرجل أو المرأة هو عالة على الإدارة وكثيرا ما ينشأ في إدارته شللية تتناحر لقيادة دفة السفينة. تحاول تسيير العاجل من الأمور وقد ترتكب أخطاء فادحة لا يأبه بها المسؤول ما دامت نيران الضرر لم تمسه. ويبزغ تحت المدير السلبي نجم نوابه، بصورة لافتة، ليملأوا الفراغ الإداري، حتى إذا ما وقع في خطأ لا يغتفر لم يتردد أصحاب القرار في تعيين أحد نوابه، ليدفع ثمن تقاعسه.
المشكلة أن المدير غير الفعّال يؤدي إلى نشوء حالة من الفراغ الإداري الغريبة، فهو موجود شكليا وليس فعليا، كمزهرية على منضدة. وبعض هؤلاء لا تكتشفهم إلا صدفة أو في لحظة اعتراف نادرة. أذكر أن مديرا رفض رفضا قاطعا قبول ترقيته لمدير إدارة، لأنه، كما أسر لمسؤوله، لا يود أن يتحمل عبء المسؤولية، وأنه مستعد للعمل تحت إمرة أي موظف صغير، حتى ولو كان هو من دربه عند تخرجه من الجامعة! هذا ليس غريبا، فهناك موظفون لديهم «رُهاب المنصب»، وهذا ما يدفعهم للتهرب من أي محاولة لترقيتهم لمهام إشرافية.
وهناك نوع آخر فعلي من الفراغ الإداري مثل خلو منصب معين أو فراغ دستوري، وهي مسائل حرجة، لكن لها حلول. فعندنا في الكويت مثلا حينما شغر منصب أمير البلاد عام 2006، مارس مجلس الوزراء جميع اختصاصات رئيس الدولة لحين اختيار الحاكم الجديد، وذلك استنادا إلى قانون توارث الإمارة عام 1964، الذي ينظم آلية الحكم عند «خلو منصب الأمير قبل تعيين ولي العهد». وكذلك الحال حينما انتبه المشرعون في مصر، العام الحالي، إلى ضرورة أن يتولى رئيس مجلس النواب مهام رئيس الجمهورية، في حالة خلو منصب الأخير، لحين انتخاب رئيس جديد.
كل فراغ إداري لا بد أن يملأ بآلية واضحة. إما بتعديل القوانين أو اللوائح الداخلية للشركات. وأذكر أن هذا أحد الأسباب التي تدفع البنك المركزي وهيئة أسواق المال، دوما، إلى إلزامنا كأعضاء مجالس إدارات بتحديث قائمة التعاقب الوظيفي (الإحلال) succession plan أي من يحل مكان من. وهي قائمة بأسماء البدلاء مثل الفريق الرياضي، لضمان استمرارية النجاح، ولكي لا نعرض مصالح الناس وأموالهم للخطر بسبب فراغ إداري.
والأمر لا يتعلق بالشركات الكبرى بل حتى الصغرى مثل متاجر التجزئة لا بد أن تكون فيها البدائل واضحة حتى تنتقل المسؤولية بسلاسة. فتخيل أن يصاب صاحب الخزنة أو «الكاشير» بمكروه في ظل غياب لائحة تحدد من المسؤول عن جمع النقود ووضعها في مكان آمن. وهذا هو لُب العمل المؤسسي الذي لا يركن إلى الفردية.
وتجدر الإشارة إلى أنه كلما علا المنصب الشاغر زادت خطورة
الشرق الأوسط