ثقافة

رضوى … د. نورة أحمد عبدالله الملحم

 

تشكلت ذاكرة التراث العربي الإنساني من مكونات عديدة يصعب حصرها، و من تلك المكونات الأسماء التي خلدتها عيون التاريخ و الأدب. فللأسماء  سطوة قوية و حظوة كبيرة في نفوس سكان الجزيرة العربية لا تقل أهمية و قوة عن حظوة غيرها من المورثات البيئية. و لكل اسم هوية متفردة معبرة عن مخزون ثقافي و عاطفي مميز  ممتد عبر  أسفار التاريخ و الأدب و المعاجم، مكتنز بالقصص و العبر و التجارب و مصطبغٌ بصبغة الأمثال و الأشعار السرمدية، و لعل اسم ليلى هو الأشهر ؛ حيث بات رمزًا للحبيبة أيًّا كان اسمها أو ماهيتها، كعبةً كانت أو خمرًا أو أنثى…
و مما يحفظه لنا الموروث العربي اسم رضوى. و هو ليس مجرد اسم رباعي الحروف مختوم بالألف المقصورة ورد ذكر ه  في معجم البلدان لياقوت الحموي: “ومن أسماء النساء رُرضَيَّا، وتكبيرُها رَضوى”.
ففي الموروث المكاني نجد جبل رضوى الذي يقع في محافظة ينبع بمنطقة المدينة المنورة غرب المملكة العربية السعودية في ديار جهينة وتحده من شمال الشرق قرية الفقعلي، و من شمال الغرب قرية رخو هجرة قبيلة رفاعة و من جنوب الغرب قرية تلعة نزا هجرة قبيلة نزاء، ويبلغ ارتفاعه 2170 متراً. يتميز هذا الجبل بارتفاعه وجماله وشهرته على مر التاريخ وهو من الجبال الوعرة التي يصعب صعودها ومن قمته ترى مدينة ينبع كاملة.
و من أشهر ما ورد عنه في كتب الأدب ما قاله حسان بن ثابت:
ظَلُّ لَدَيها الواغِلونَ كَأَنَّما                                                        يُوافونَ بَحراً مِن سُمَيحَةَ مُفعَما
لَنا حاضِرٌ فَعمٌ وَبادٍ كَأَنَّهُ                                                          شَماريخُ رَضوى عِزَّةً وَتَكَرُّما
حيث عزّزَ  حسان مجد ذلك الجبل بشعره، و سطره بمداد الفخر و التباهي مثالاً خالدًا للعلو و الكبرياء و الأنفة.
كما تذكر كتب التاريخ جبال رضوى على لسان الصحابي عمرو بن العاص رضى الله عنه حين قال له ولده وهو في سكرات الموت:صف لنا الموت، فقال : يابني الموت أجل من أن يوصف ولكني سأصفه لك: أجدني وكأن جبال رضوى على عنقي وكأن في جوفي الشوك وكأن روحي تخرج من إبرة.
و في جبل رضوى دارت حكاية العاشق مسلم الوليعي الجهنيالذي قفز من قمته متأثراً برفض أهل عشيقته الارتباط بها قائلاً:
عدّيت في رضوى ورضوى أمنيفة                وأخيل في عيني جنوبٍ وشام
فقال أخاه مبررًا ما فعل:
والله ما لوم الوليعي ولو طاح                                       من راس رضوى والعوض به عباته
مير اذهنوني عند هبّات الأرياح                                     لذب عمري ثم أسوي سواته
ليبقى رضوى شاهدًا على قصة الخذلان .
و يرد اسم رضوى في رثاء المتنبي :
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى                                 أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ
ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى                                      رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ
و مما جادَ بهِ الأدب في ميدانِ هذا الاسم  القاصة و الروائية والناقدة الأدبية رضوى عاشور ، و  هي أستاذة جامعية مصرية، وزوجة الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي، ووالدة الشاعر تميم البرغوثي. رضوى التي قال فيها مريد حينَ غاضَ ماء ابتسامتها في جبِّ المرض: عودي يا ضحكتها عودي ، ليموت بعدها بستةِ أعوامٍ بعد أن كتب فيها من رقيقِ الأدبِ ما جعل اسمها رمزًا للوفاء بكل صوره.
و هكذا يبدو التراث العربي لوحة ملأى بالألوان الفريدة الجديرة بالتأمل و الإعجاب، و لأسماء إناثهم نصيبُ كبير  خالد في تلك اللوحة .

*مشرفة تربوية بإدارة تعليم الأحساء
no.1978.no@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى