لغة الفنون المسرحية بهوية المرأة السعودية … شوقية بنت محمد الأنصاري
قوية تلك المرأة التي تميزت بمعرفتها وأخلاقياتها وعلاقاتها الصادقة الإنسانية، وحبها للوطن بلغة عطاء متفردة، لتجد نفسها تحولت لقصة إلهامية، واثقة الخطى تمضي إنها المرأة السعودية بتاريخها وثقافتها وضعت النقطة الحاسمة في عصر تمكينها ببصمات أنثوية قيادية، جعلت من قرار حكمة القيادة الرشيدة وولاة الأمر منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على منهج العدل والمساواة في توظيف لغة تكافؤ الفرص، لتتقدم من تجد في ذاتها القوة الناعمة الاستثنائية نحو دفع عجلة التنمية الوطنية، ومنذ أن تهيأت لها منح التعليم، واعتلت بمعرفتها القمة، جاء تقليدها المناصب العليا؛ لتتزين المنظومات والمؤسسات ببصمة المرأة السعودية، فأصبحت محط أنظار العالم، في وصف تحوّل دور المرأة كمواطنة وشريكة في بناء الوطن وأجهزته، رغم كل التحديات التي واجهتها. وكوني باحثة في الأدب المسرحي وكاتبة أمضي في خطوط ثقافتنا الوطنية، رأيت توظيف مقالتي للحديث عن اسهامات المرأة السعودية في المسرح وفنونه وحضور بصمتها الفنية والأدبية ككاتبة وممثلة ومخرجة. وقد شهدت العقود الأخيرة حراكا أدبيا نسويّا يشمل مختلف مجالات الكتابة القصصية والروائية والمسرحية؛ لأن الإبداع يحاكي جمال الحياة فيخلقها وتخلقه، وما الحياة في جوهرها إلا تفاعل بين الذكر والأنثى، فهذه الروايات النسائية وإن تأخرت عن روايات الرجال بسبب لغة العيب التي سيطرت على فكر المجتمع والأفراد، إلا أن مداد القلم الناعم نطق بالظهور، وتزايد في مشهد الحضور، ليقبع رماد الخفاء والعيب ويستنطق في خطابه الواقع ويرسم الخصوصية بكل أناقة فكرية، مهذّبة بالقيم الأخلاقية والعادات المجتمعية، وشاهدة بجمال بساطة النساء وعظيم عطائهن الذي توشّحت به خطوط الرواية النسائية. وهذا ما أشاد به عدد من الأدباء والنقاد السعوديين بأن الساحة اليوم شاهدة بإنتاج جيل الرائدات ووصولا إلى روائيات اليوم. أمثال: سميرة خاشقجي، وهدى الرشيد وهند باغفار، رجاء عالم ونوره الغامدي ومها الفيصل ونداء أبو علي، ملحة عبدالله، انتصار العقيل، حصة العون، زكية العتيبي، زينب الخضيري، أميمة الخميس، ليلى الجهني، مريم الغامدي، هيفاء المنصور، وفاء السبيل ، ليلى الأحيدب، شيمة الشمري، بدرية البشر، هند المطيري، ثريا العريض، لمياء بنت ماجد بن سعود آل سعود، أثير النشمي، رجاء الصانع، سارة الخثلان، وساحة الأدب في تزايد، ولغة التنافس تبهرنا بالعجائب، بإبداع روائي نقشته أقلام الطفولة والناشئة لنوظّف قدراتنا كأديبات في رعاية هذه الأجيال الواعدة. وما هذا الحراك الأدبي النسوي إلا امتدادا لخطوط الساحة العربية والعالمية في الكتابة النسوية، فأشرقت من أقلام نون النسوة خصوصية حياة المرأة الذاتية وعلاقاتها الاجتماعية كما يقول حسين مناصرة في كتابه “النسوية في الثقافة والإبداع” فهي مع هذا المصطلح خرجت من عصر النسوية المحجوب إلى عصر القلم باحثة عن الحرية”.
ولا أتفق مع من ذهب أن الكتابة النسوية بقلم المرأة ذاتها، في معركة مع الساحة الثقافية والكتابة الذكورية، مما عدّها في مستوى أدنى من الكتابة الغربية المتمردة. فالروائية السعودية اليوم تجاوزت بلغة ابداعها الكتابي هذا الاتجاه، ونقشت اسمها في المحافل الدولية لتفوز بجوائز عدة كجائزة نادي فيرونا السينمائي للفيلم الأكثر إبداعا، وجائزة نجيب محفوظ للرواية، وجائزة الشارقة للمرأة الخليجية، والجائزة العالمية للرواية العربية، وسفيرة للنوايا الحسنة بمنظمة الصحة العالمية. ولم ينته الأمر عند الكتابة الروائية، فعلى الصعيد الفني والأدبي نجحت في وضع بصمة تمكنها بالمجال السينمائي وأشرقت أسماء أنثوية في سماء الفن كمخرجات سعوديات ومكنهنّ من المنافسة في المهرجانات العالمية، مثل المخرجة هيفاء المنصور، والمخرجة هند الفهاد، والمخرجة شهد أمين.
وبعدما تألّقت المرأة السعودية في القصة والرواية، اتجهت لخوض تجربة المسرح، الذي سار في حراك بطيء ليتماشى مع الانفتاح على خطة سياسة تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية، وتحقّق قبول المجتمع لمشاركة المرأة ووقوفها على خشبة المسرح كممثلة ومؤلفة ومخرجة، لتنتقل من دائرة المسرح المدرسي إلى كوكبة المسرح السعودي، ولعل لمركز الملك فهد الثقافي بصمة في احتضان هذه التحولات الإبداعية للمسرح النسوي، وتسابقت نون النسوة بتأليف نصّها، لتمتلك ناصية القول في صياغة نصوص تلامس ذاتها والآخرين من حولها، ويسهم في تشكيل هويتها. وهنا وقفة تقدير لسيدة المسرح السعودي الدكتورة (ملحة عبدالله) التي نقشت جمال المرأة المثقفة السعودية بنشاطها في التأليف المسرحي، وحصولها على الدكتوراة الفخرية في المسرح من منظمة الأمم المتحدة، ونيلها جائزة اليونسكو للمونودراما عن مسرحيتها (العازفة)، ولها أكثر من (50) نصا مسرحيا تم عرضها في المسارح السعودية و العربية. كما نجحت الممثلة السعودية (إلهام علي) بالصعود على خشبة المسرح خارج الوطن وداخله، وشاركت في مسرحية (حياة الإمبراطور) كأول عرض مسرحي مفتوح للجمهور السعودي عام 2018م، وتبعها ظهورالممثلة السعودية (ريماس منصور) بمسرح موسم الرياض 2019م في مسرحية (الذيب في القليب) لتشارك نخبة من الفنانين والممثلين السعوديين. كما جاءت تجربة (مسرح السعودية) التي جمعت (50) شابا وفتاة في عروض مسرحية وبرعاية مباشرة من وزارة الثقافة والإعلام، ليجد الجمهور السعودي في هذا التحوّل لغة جذب للشباب في توظيف إبداعهم الأدبي والثقافي بما يخدم المسرح السعودي.
إن قصة كفاح الأديبة السعودية ترجمتها عبر العصور بإنتاجية، حققت لنون النسوة الحضور في المسرح السعودي خاصة والعربي عامة، وبلغة استثنائية تتمثل بأدوار عدة، ابتداء بتأليف النصوص والتمثيل والإخراج والمونتاج والنقد والأبحاث الأدبية، بل وربما نشهد ابتكارات تحولية تقود المسرح النسائي العربي للمنافسة العالمية. بفضل تلك القوة الخفية الإيمانية التي تعيش بداخل المرأة الواعية المثقفة القيادية المتمكنة.
الأنثى مدرسة ونبض كل الفنون
وسيدة المكان بقوة ناعمة تكون
رسمت للمجد طريقها و واو الجمع شاهدون
وبثقة ولاة أمرها اعتلت قمة العزّ بجوهر مصون
ولسان حالها يقول: أنا اليوم هنا سأزهر في حضن وطني الأم الحنون.