لكي لا نُمضي بقية أعمارنا في ندم … د. محمد بن عبدالرحمن المقرن
في عالم تزداد فيه المشاكل عدداً وتتباين تعقيداً يُصبح إتخاذ القرار في أي مجال من مجالات الحياة أمراً ليس بالسهل، كثير من القرارات التي إتخذناها والتصرفات التي مارسناها في هذه الحياة تحمل جانباً من الندم والذي ينشأ عادةً بسبب أمرٍ خاطئ فعلناه او أمرٍ تقاعسنا عن فعله، وبقدر ما هو عبئ مؤلم يُفْسِد حاضرنا، فإنه أيضاً قد يحطم أحلامنا ويفسد أمالنا ويمنعنا من المُضي قُدماً متى ما خضعنا له وسمحنا له بأن يسيطر على تفكيرنا وارادتنا، فالتفكير المستمر والشعور بالندم كفيل بأن يسبب لنا درجة عالية من القلق والتردد.
والندم كما هو معروف، شعور سلبي سواء (بالحزن او الذنب) نتيجة لقرار خاطئ تم إتخاذه في ظروف غير مناسبة او دون الوعي بمدلولاته ونتائجه، والندم على ما مضى لن يفيد في شيئ لأننا لا نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولا يمكننا أن نغير او نبدل شيئاً، فلا حاجة لأن نُمضي بقية أعمارنا نادمين على لحظات مرت لم نستغلها او نُحسن التعاطي معها.
لا بد وأن نتذكر بأن لكل خطوة او مرحلة في الحياة، مهما كانت سيئة، جانب إيجابي يتمثل في القدرة على التعامل معها ومعالجتها وفتح صفحة جديدة. فالندم يمكن تحويله إلى عملية مفيدة تدفعنا باتجاه تعزيز مواقفنا المستقبلية، وتعلُم كيفية تغيير سلوكنا وتصرفاتنا لنجعل من التجربة الفاشلة حافزاً للنجاح ودافعاً لتجنب الهفوات والقرارات الخاطئة. نحن لا نعيش هذه الحياة وبيدنا دليل للتصرّفات السليمة، وبالتالي فإن إتخاذ قرار خاطئ لا يعني نهاية الحياة مهما كان نوع هذا القرار، سواء كان متعلق بحياتنا الأُسرية او الوظيفية او علاقاتنا الاجتماعية، فالخطأء الذي وقع وحكمنا علية بأنه خيار سيئ ربما كان هو أفضل الخيارات والحلول المتاحة أمامنا في ذلك الوقت. كما أن الهفوات والأخطاء التي نرتكبها هي في واقعها جزء من منظومة وجودنا داخل شبكة من العلاقات التي تربطنا بهذا العالم من خلال محيطنا الأُسَري وبيئتنا الاجتماعية، فارتكاب الأخطاء والهفوات جزء لا يتجزء من الطبيعة البشرية ولا مفر مِنْهَا.
يعاني الكثير من الناس من الوقوع في المشاكل، فكل إنسان معرض للوقوع في الخطأ في مرحلة من مراحل حياته وبالتالي عليه أن يتعلم كيفية تقبُلها والإستفادة منها والعمل على تلافيها مستقبلاً، فالعاقل من يستفيد من أخطائه ويحولها إلى خبرة ومعرفة وحرص حتى لا يخطئ في المستقبل، فيكون أكثر حيطة وحذرا. وإذا كنا غير قادرين على تعديل أخطاء الماضي وأحداثه فإنه يظل في استطاعتنا أن نختار الكيفية التي تؤثر بها هذه الأخطاء والأحداث على حاضرنا ومستقبلنا.
ومن المعلوم أن ارتكاب الخطأ لا يعني الفشل، فالخطأ يحدث نتيجة لعدم الوعي او التركيز أثناء القيام بأمر ما، فهو خارج وعينا، أما الفشل فهو نتيجة عدم النجاح في بذل مجهود واعٍ. كما أن تجنُب الوقوع في الأخطاء يعني الجمود والتوقف وعدم التفاعل مع محيطنا وبيئتنا المتغيرة، فعظمة الإنسان تتجلي بقدرته على النهوض عند كل عثرة او هفوة. وما يميز المشاكل والأخطاء هو أنها تُشكل مصدراً هاماً للتعلم والمعرفة وسعة الأُفق، فنحن نتعلم من أخطائنا بالرغم من صعوبتها ومرارتها، فهو أمر يستحق المعاناة والصبر والتكرار وعدم اليأس، فالبشرية اكتسبت المعرفة ووصلت إلى ما هي عليه من حضارة وتقدم، بأسلوب “المحاولة والخطأ”. في هذه الحياة لا يوجد شر محض، حيث أن معظم المكاسب لا تحصل إلا بعد ورود هذا الشر والوقوع في الأخطاء. يجب أن ننظر إلى الأخطاء والعوائق التي واجهتنا نظرة إيجابية ونسخرها لصالحنا، ونبتعد عن النظرة السلبية التي ترى فيها عيب وذنب لا يُغتفر، علينا أن نستغل ما نمر به من تجارب وعدم رضى من أجل البناء لشخصية أفضل وأقوى تستطيع أن تتصرف بذكاء وحرص أكبر تجاه المواقف والأحداث المستقبلية ونكون أكثر قدرة على تصحيح الأخطاء وعدم تكرارها.
وأخيراً، نحن لسنا بحاجة إلى معرفة الأخطاء بقدر حاجتنا إلى الاستفادة منها وتحويلها إلى مكاسب، علينا ألا ندع أخطائنا تؤثر سلباً على ثقتنا بأنفسنا او طريقة تفكيرنا، فنعتقد أننا متسرعين او لا نحُسن تقييم الأمور. قد يتسرع الإنسان أحياناً او يتردد في أمرٍ من أمور حياته، لكن هذا لا يعني أنه شخص غير مسئول، بل كل ما في الأمر أن عليه تجنب الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى، فغالب الأمور لا تسير وفق رغباتنا او كما خططنا لها مهما فعلنا.
dmmugren@hotmail.com