ما لا يعرفه الموظف عن العمل الحر … عمر بن إبراهيم بن سليمان العُمري
أذكر أني في أحد الأيام راجعت إحدى الجهات الخدمية لإيصال خدمة ما إلى مبنى كنت على وشك تسليمه بعد الانتهاء من كل التجهيزات المطلوبة عدا تلك الخدمة التي تأخرت كثيراً عن موعدها رغم أنهم قد استلموا كامل رسومهم وتم تجهيز كل المتطلبات التي طلبوها منذ أشهر, وكنت ملزم بموعد تسليم محدد وستلحقني غرامات في حال تأخرت في تسليمه. وكانت ردود الموظفين المسئولين عن الخدمة باردة جداً وهم غير مكترثين بموعد إيصال الخدمة, ولسان حال الموظف الذي كانت لديه معاملتي يقول على ماذا تستعجل. وماذا سيضرك حين تأخر إيصال الخدمة لعدة أشهر وما المشكلة حتى ولو تأخرت لأشهر إضافية. قلت له: ماذا لو تم منعك من الحضور لمقر عملك لعدة أيام ماذا سيحدث لك؟ أليس ذلك يضر بمرتبك؟ وحين لا تستطيع الحضور لمدة أطول ماذا سيحدث لك؟ هل ستظل بوظيفتك؟ بالتأكيد سيتم طردك وسيؤثر ذلك على دخلك ووضعك المادي أليس كذلك؟, وهذا بالضبط ما يحدث لي بسبب تأخيرك إيصال تلك الخدمة, حيث أني ملزم بموعد تسليم وكل يوم يتم تأخيري فيه من قبلكم يضرني ويؤثر سلباً على دخلي.
طبيعة عمل الموظف تجعله لا يستطيع تخيل مدى الخسائر التي يتسبب بها عندما يقوم بتعطيل معاملات أو تراخيص أو إيصال خدمة. فلا يعي كم من الأضرار المادية التي يحدثها عندما لا يكون متواجد بمكتبه وينهي عمله أولاً بأول وبدون تعقيدات وبدون تأخير.
كثير من الموظفين اعتاد على روتين يومي ودخل شهري ثابت يتم إيداعه في حسابه الجاري نهاية كل شهر, فتكون الأيام والأسابيع والأشهر سواسية بالنسبة له ولا يشعر بها ولا يفكر في أي تغيير, أما بالنسبة لصاحب العمل فإن كل يوم يمر عليه دون أن يحدث دخلاً جيداً ويحرز تقدماً في مجاله فتلك خسارة بالنسبة له وعليه التزامات كثيرة لا بد أن يوفيها, فهو مسئول عن رواتب موظفين يعملون لديه, ولديه حسابات دائن ومدين لا تحتمل التأخير.
والظريف بالأمر أن بعض الموظفين يعتقد أن صاحب العمل الحر لديه حرية مطلقة في عدم التواجد ويستطيع أن ينام قدر ما يشاء ويسافر قدر ما يشاء ويغيب عن عمله قدر ما يشاء, فهو تعود في وظيفته على أن هناك مدير يحاسبه على تأخيره وغيابه فيعتقد أن صاحب العمل الحر حينما لا يكون لديه مدير يأمره وينهاه فإنه بذلك لا يوجد لديه أي ارتباطات تمنعه ويستطيع أن يذهب حيث شاء ومتى ما شاء.
وباعتقادي أن هذا ما يفسر كل ما تتم كتابته وتداوله في الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي عن الجشع وقلة الأمانة والأرباح العالية ذات الأرقام الفلكية التي يتحصل عليها التجار حسب وصفهم, وان الخسائر لا تلحق بهم أي اضرار, وأنهم يعثون في الأرض فساداً بلا حسيب ولا رقيب فإن ذلك كله غير صحيح وهي قصص من نسج الخيال, فالقوانين والأنظمة الموجودة لدينا في المملكة العربية السعودية والجهات الرقابية الصارمة لا تسمح بأي شيء من هذا القبيل. فلدينا أنظمة واضحة وعقوبات لكل من يخل بالجودة والأمانة. ولدينا جهات تنفيذية لا تجامل أحداً كائناً من كان, ويتم التشهير به ومعاقبته. وهذا من فضل الله وتوفيقه لبلادنا وحكامها ولله الحمد والشكر.