ثقافة

الرشفة المالحة …قصة قصيرة … محمد الرياني

 

…. وهما يقطفان الوردَ سويًّا وفي يدِ كلِّ واحدٍ منهما كأسٌ من الشاي، وكلما ارتشفَ رشفةً قطفَ وردة، بينما هي تلتزمُ الصمت ، الجوُّ باردٌ وجميلٌ في آن واحد، تتمايلُ الأغصانُ في الصباحِ من الهواءِ القادمِ من بطن الليل ، التفتَ إليها وقال لها : برَدَ الشاي، بضعُ ورداتٍ حمراءَ في يده ، سحبَ الكأسَ من يدها، رشفَ رشفةً وهو يُغمضُ عينيْه من روعةِ الطعمِ في الحديقة، لاتوجد مقاعدُ للجلوسِ باستثناءِ أحواضَ صغيرةٍ للشجيرات، جلسَ يتأملُها وهي واقفةٌ تنظرُ إليه نظَرَ المعاتب ، لا يعرفُ أنه فعلَ شيئًا، بعضُ العصافيرِ التي حطَّتْ على الأحواضِ لتشربَ الماءَ فعلتْ شيئًا غريبًا لأول مرة يراه ؛ تنقرُ الماءَ من الأحواضِ وتتبادلُه فيما بينها وهي منتشية، ثمَّ تطيرُ بارتفاعٍ منخفضٍ وتمارسُ المزاحَ فوقَهما وكلُّ واحدٍ يضربُ الواحدَ بجناحِه أو يقتربُ منه ثمَّ يتصادمان ويرجعان إلى الأرضِ لأحواضِ الماءِ وهما يضعان في منقارِ بعضيهما القَطَرات ، تركتْه وعادتْ إلى البيتِ وهو منبهرٌ من العصافيرِ العاشقة، لحقَ بها رغبةً في شُربِ الشايِ معها، رأى الوجومَ في وجهِها ومع هذا طلبَ منها أن تصنعَ كوبين من الشاي، دخلتْ إلى المطبخِ واتجهَ إلى شُبَّاكِ الغرفةِ المطلِّ على الحديقةِ ليتفرَّجَ على العصافيرِ وهي تمارسُ الغزلَ على الأحواض، شعرَ بالغباءِ وهو لم يفطنْ إلى غيرتِها من العصافير، أحضرتِ الشايَ وظهرُها إلى الشُّباكِ لاتريدُ أن ترى العصافير، وضعتِ الكوبينِ بجانبِه وهو في غايةِ الاستمتاعِ بالمنظرِ أسفلَ منه، أرادَ أن يستمتعَ أكثر ، رشفَ رشفةً من الشاي، كانتِ المفاجأة! الشايُ بلا سُكَّر وهو لايطيقُه مالحًا، أمسكَ بيدِها وقد عرَفَ المغزى، قام بنهرِ العصافيرِ بإطلاقِ صافرةٍ من فمه ، دخلَ بنفسه المطبخَ وجلبَ السُّكرَ معه إلى الحديقة، ابتسمتْ كالطيورِ الصفراءِ الصغيرة، حملَ مقعدًا وحملتْ هيَ الآخرَ واتجها نحوَ ظلِّ الحديقةِ يقلِّدَان العصافير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى