ترامب يفقد صبره للرهائن ولا يفقده للدماء!!

* عندما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن واشنطن قد “تفقد صبرها” إزاء وتيرة إطلاق سراح المحتجزين في غزة، بدا وكأنه يرسم حدود الصبر الأمريكي وفقا لمصالحه السياسية وأولوياته الإعلامية ومصالح إسرائيل ورغباتها، فقد أثارت صور الرهائن المحررين، الذين ظهروا في حالة هزال وضعف، موجة من التعاطف والتهديدات لدى ترامب ونتنياهو، وهو ما دفع ترامب إلى الإدلاء بتصريحه الذي يعكس، مرة أخرى، ازدواجية المعايير الأمريكية في التعامل مع الأزمات الإنسانية.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ألم تفقد واشنطن صبرها إزاء سيول الدماء التي أراقتها إسرائيل في غزة والضفة الغربية ولبنان؟ أم أن “الصبر” الأمريكي بات يُقاس بعدد الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم، وليس بعدد الأطفال الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء تحت القصف؟
لطالما دافعت الولايات المتحدة عن نفسها باعتبارها راعية “الحرية وحقوق الإنسان”، لكن مواقفها تجاه القضية الفلسطينية تفضح مدى انتقائية هذه المبادئ، فعندما يكون الضحية إسرائيليا، يصبح الوقت عاملاً ضاغطا وتتحرك الآلة السياسية والإعلامية الغربية للضغط على كل الأطراف لضمان الإفراج عنه أما عندما يُقتل الآلاف من الفلسطينيين، بينهم أطفال ونساء، فتبقى الإدانات الأمريكية في إطار البيانات الدبلوماسية الباهتة، أو يتم تبرير الجرائم الإسرائيلية بعبارات فضفاضة عن “حق الدفاع عن النفس”.
لقد شهد العالم خلال الأشهر الماضية واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث، حيث قُتل الآلاف في غزة، وتدمرت أحياء بأكملها، ومع ذلك لم تصدر واشنطن تهديدًا مماثلًا لما صدر بشأن الرهائن.
لم نسمع ترامب أو غيره من المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم “فقدوا صبرهم” إزاء استمرار القصف والتجويع والقتل العشوائي.
يبدو أن “الصبر الأمريكي” ليس إلا أداة سياسية تُستخدم متى ما اقتضت المصالح ذلك، وليس تعبيرا عن موقف إنساني أو أخلاقي ثابت. فلو كان الأمر كذلك، لكان أولى بواشنطن أن تعلن فقدان صبرها إزاء استمرار الاحتلال الإسرائيلي، والتمييز العنصري، والقتل الممنهج ضد الفلسطينيين. لكن في عالم السياسة، تظل الاعتبارات الإنسانية مجرد ورقة تُلعب عند الحاجة، بينما يبقى منطق القوة هو المتحكم الأساسي في المواقف الدولية.
لن يتغير شيء ما دامت الولايات المتحدة تواصل نهجها القائم على الكيل بمكيالين. فالصبر الأمريكي سيظل طويلا أمام الجرائم الإسرائيلية، وسريع النفاد حينما يتعلق الأمر بمصالحها وحلفائها أما الضحايا الفلسطينيون، فليسوا سوى أرقام في تقارير إخبارية لا تحظى بالاهتمام الكافي، رغم أن معاناتهم هي المأساة الحقيقية التي تستحق أن يفقد العالم كله صبره من أجلها.
عبد الكريم الفالح