تفجير العقول.. والأجساد”: كلمة خالد الفيصل .. علي الموسى
في المشهد الأول، انتظرت ظهر الأمس حتى الثانية كي أتأكد أن أصابع الغدر والإرهاب لم تصل إلى أجساد المصلين في مسجد لصلاة الجمعة، وأنا على ثقة تامة أن الغالبية الساحقة العظمى الطاغية من أبناء وبنات هذا الوطن قد عادوا، مثلي، من صلاة الجمعة مباشرة إلى نشرات الأخبار كي يطمئنوا أننا “قرية آمنة”. وفي المشهد الثاني تبرز هذه القصة: مساء الأربعاء الماضي استوقفني “ثلاثيني” من أبناء هذا البلد الكريم ليشرح لي قصة التحول التي أنقذته “بجملة” واحدة من براثن التطرف والهدم والتفجير إلى ميدان العلم والعمل والبناء والمستقبل. يقول لي: كنت أحد الطلاب الخريجين من جامعة الملك خالد في العام 2003، وأحد حضور ذلك الحفل التاريخي الذي ارتجل فيه خالد الفيصل كلمته الاستثنائية الخالدة وهو يقول: “فجروا عقولكم في الإبداع والإنتاج والابتكار، ولا تفجروا أجسادكم في الإرهاب والقتل…..”.
يواصل: استمعت مع الآلاف في مسرح المفتاحة إلى صوت خالد الفيصل الجهوري الخشن الضخم وهو يردد هذا التباين بين “تفجير العقول وتفجير الأجساد” لأربع مرات، وما زلت أتذكر كيف وقف ثلاثة آلاف طالب في حالة تصفيق هستيرية في استقبال تلك الجمل الهادرة من فم الأمير، مثلما لم أزل أتذكر أنني كنت وحيدا نشازا فلم أقف ولم أصفق في ثنايا صف طويل في وسط المسرح. يواصل: أدركت يومها أنني “فرد” في مقابل أغلبية، ومنذ ذلك الوقت، وبفضل تلك الجملة أدركت الخطأ، وبدأت رحلة المراجعة والتحول. يواصل: بعد انتهاء الحفل، لمست بوضوح أن جملة خالد الفيصل كان لها استقبال استثنائي بين آلاف الطلاب في كل محيط مسرح المفتاحة: كنت في تلك الأيام مشغولا بقراءة منهج وسيرة الإمام الشافعي، رحمه الله، وخلصت من قراءتي الطويلة إلى أنه كان يدعو للعمل والعقل، وأن العمل والعقل هما قوة الأمة وضعفها في آن واحد.
يواصل وهنا نقطة الإشارة والتحول: في ذات المساء عرض التلفزيون السعودي حفل التخرج بما فيه تلك الجمل التاريخية الصاخبة من راعي الحفل عن “تفجير العقل”. لم ينته عرض الحفل حتى قررت الانتقال إلى مكان جديد وبيئة جديدة.. تقدمت بأوراقي للإعادة في جامعة سعودية أخرى. ذهبت في بعثة دراسية طويلة إلى “أستراليا”، وهناك اكتشفت بوضوح تام أن مشكلتنا مع تفجير العقل، يؤسفني جدا أن سلطات الأمن الأسترالية، ومع كل صلاة جمعة، تقف على الشوارع المؤدية لجامع المدينة لحمايتنا من بعضنا بعضا، ولفض الاشتباكات التي كانت تسببها اختلافاتنا الخانقة حتى وإن كنا أبناء دين واحد وملة واحدة. ينتهي: أعمل اليوم استشاريا في علم الأورام في مدينة طبية في قلب الرياض. لم ولن أتنازل للحظة واحدة عن ديني وعن قيمي، ولكنني في بالغ السعادة حين أقفل ملف طفل صغير شُفي من سرطان الدم، مهما كان جنسه أو لونه أو معتقده. ودعته وهو يطلب مني: اكتب قصتي لأنني حالة إنقاذ لجملة تاريخية واحدة في حفل تخرج.
الوطن