عيون العالم .. حول خادم الحرمين … عبدالله بشارة
لم تأت القمم الثلاث إلى المملكة العربية السعودية لسبب مفاجئ، وإنما كانت حصيلة تقديرات إستراتيجية، وحسابات دولية، ومصالح عالمية، كلها تلتقي في قصر السلام بجدة، في مناقشة جماعية لأحوال هذا العالم المضطرب، وبقناعة مطمئنة لترتيبات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي آمن بأن مسؤولية المملكة تفرض عليها المبادرة، واتخاذ الخطوات الاستباقية في مواجهة آفة اليوم (الإرهاب) وجنوده، والمخططين له، والمنضمين إليه.
فقد صارت الرياض مقر المركز العالمي لمحاربة الإرهاب بتبرّع ملكي بمئة مليون دولار، رافقتها دبلوماسية استباقية لصد العبثية الإرهابية في اليمن، والتي تنعم بدعم إيران وطلائع حوثية وخروج على الشرعية.
ونجح الملك سلمان في تأمين وحدة مجلس التعاون في تشكيل الطلائع الخليجية لهزيمة التمدّد الإيراني نحو الأراضي السعودية، وحصر مغامرات الحوثيين داخل قواعدهم، مع بناء ائتلاف إسلامي جماعي للمؤازرة في ملاحقة الإرهاب، كل ذلك عبر تنظيم إسلامي مدرك بضرورات الفوز، فالعالم يتوقع أن يقف المدافعون عن الإسلام الصادق في الصف الأول في التعبئة العامة لهزيمته.
الثنائية السعودية ــــ الأميركية
والجدار الثاني الذي حرصت عليه المملكة وأدخلته في حساباتها هو الجدار العالمي الصلب المستعصي على تسلل الإرهاب وعناصره، وبترتيبات سعودية ــــ خليجية ــــ أميركية، يلتقي فيها الرئيس ترامب مع أبرز القيادات الإسلامية في ثلاثة محاور؛ أولها: الثنائية السعودية ــــ الأميركية، التي ترسخت مع فوز الرئيس ترامب وقناعة إدارته في أولوليات السلم العالمي بنهاية الإرهاب، ومنها جاءت سلسلة من اللقاءات السعودية ــــ الأميركية الثنائية مهّدت لهذه القمم العالمية غير المسبوقة، ونجح الملك سلمان في رعاية الانطلاقة العالمية في حروبها ضد الإرهاب لمسببات كثيرة، خبرة المملكة مع الإرهاب منذ تسلل التطرف الديني إلى مجتمعها، وعزمها على التعبئة العامة لمقاومته، ونجاحها في تأمين الدعم الدولي لها، وتبنيها مبدأ الاستباقية ضد الإرهاب واجتثاثه من منبته وعروقه.
الإرهاب والإسلام
ويأتي الرئيس الأميركي ترامب إلى لقاء قادة مسلمين بعد أن تعايش مع حقائق الحياة، فليس الإرهاب من الإسلام في شيء، كما تعرف على واقع أنهم ضحايا الإرهاب، وأكثر أنهم في حرب شرسة مع الإرهاب، فاستمع إلى الواقع وانسجم معه، واقتنع بإيجابية التواصل مع أتباع الديانات السماوية الثلاث، امتثالا لعالمية المعارك وشمولية الأذى، واعترافا منه بأن الولايات المتحدة ليست محصنة من الخراب والأذى.
ويشهد العالم الآن تخلّص الرئيس ترامب من المعلّقات التي لازمته في حملته الانتخابية عن سلبية الملف الإسلامي، فهدأت خواطره حول الإرهاب الإسلامي وانخفضت حدته مع زوّار أميركا من المسلمين، وأكثر أهمية من ذلك، أدرك الرئيس ترامب أن الولايات المتحدّة قوة عظمى لها امتيازات القوة، وتتحمّل أعباء القوة، فهي القوة التي شيدت النظام العالمي السياسي والإستراتيجي منذ نهاية الحرب العالمية، فوفق هذه الحقيقة، عليها مسؤولية أخلاقية تتحمل تكاليفها كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن مسكونة باستمرار الاستقرار العالمي، ومسؤولية كدولة عظمى عن تبعات الفوضى التي تتسيد منطقة الشرق الأوسط، ومنها واقع سوريا، حيث فقد النظام شرعيته، وفي العراق الذي تتحكم فيه الفوضوية الطائفية، وشهية إيران للنفوذ، وفي اليمن الذي يعاني من التمرّد الحوثي، ومن أصابع إيران المتعطّشة لإضعاف الجبهة السعودية الجنوبية، وإرهاب «الإخوان» في مصر، ويأس أبناء فلسطين، ومآسي اللاجئين في لبنان، وفي الأردن.
قيادة المملكة
ظل هذا الملف المملوء بالمخاطر بعيدا عن دراية الرئيس ترامب المولع بالحيادية والعزلة وتنامي التجارة، وبسبب هذا التباعد بين الرئيس ترامب وواقع العالم تكاثرت اتهاماته للمسلمين وأخطأت تقديراته عن حزم الدول الإسلامية على مواصلة حروبها ضد الإرهاب، وعندما تواصل مع قيادات دول مجلس التعاون ومع مصر والأردن وآخرين من مختلف بقاع العالم، عرف الحقائق كما هي، وتوجّه إلى المملكة العربية السعودية في ضيافة الملك سلمان؛ لعقد القمم الثلاث.
تبقى المأمورية التاريخية التي ستضعها هذه القمم على رأس الضيف الأميركي في متابعته القرارات وحسم ملفاتها بالإصرار والحزم الذي نتوقعه من الائتلاف الإسلامي ـــ الأميركي ـــ العالمي، لتنظيف العالم من مآسي الإرهاب.
وهنا نستذكر ضرورة صمود دول مجلس التعاون بقيادة المملكة في الاستجابة لتكاليف المأمورية المستقبلية المنتظرة، لجعل العالم أكثر أمنا وأكثر اطمئنانا.
ويسجل التاريخ إعجابه بالدبلوماسية السعودية ومتانتها وتفاعلها مع ضرورات التضحية، من أجل عالم يعيش فيه الجميع بخير وسلام.
القبس