الشيعة: رهان مستقبل وجود … علي سعد الموسى
في عالم اليوم لا وصفة لنجاح أي مجتمع ودولة بغير متلازمة الاعتدال والانفتاح، وهما للأسف الشديد مصطلحان قابلان للتكييف، وأيضا للتفسير حد التماهي بزخرف القول على المواقف والأفكار المتشددة.
لن أنسى ما حييت إحدى خطب أيمن الظواهري ذات زمن على القبيحة (الجزيرة)، وهو يتحدث من غار عن الاعتدال وعن سماحة الإسلام ووسطيته، ولن أنسى أيضا حديث حسن نصر الله قبل أسبوع، وهو يتحدث عن انفتاح المقاومة والممانعة المزعومة مع كل الشعوب والدول والأديان والملل.
شاردان هاربان وطريدان يسحبان الاعتدال والانفتاح إلى الكهوف والمخابئ والأقبية. تعالوا لنقرأ سويا ثمرات
حكم أعناق الناس ومصائر الشعوب عبر اعتساف هذا الدين العظيم، ولَيّ نصوصه كي تنتظم في مجرى أودية الهوى الثيوقراطي.
لثلاثة عقود متصلة تناوبت أسرة الحوثي، وفي مد هستيري، على غسل أدمغة الملايين في إقليم (آزال) الزيدي
حتى جعلت منه، حسب تقرير اليونيسكو، رابع أكبر بؤرة للأمية المطلقة في العالم، وأولها في كبر المساحة. ومن المحزن بمكان وحسب التقرير فإن طفلا واحدا من بين كل عشرة يذهب إلى مدرسة نظامية. البقية إلى كتاتيب بدر الدين.
في لبنان، وفي باب العلم والتحديث، ينقسم البلد بشكل صارخ إلى (لبنانين): يحكم حسن نصر الله البلد من حارة حريك حتى قرية بنت جبيل في أقصى الجنوب. وحتى اللحظة استطاع هذا (المزمار) أن يدمر جيلا لبنانيا كاملا دون أن يعي أو يدرك أن أبناء طائفته من هذا الجيل تحولوا في المنافسة في كل مهاجر اللبنانيين إلى عمال في الورش والمطاعم. سُنّة لبنان ومسيحيوها يقصدون باريس وأميركا ودول الخليج المزدهرة، بينما ينافس الشيعي
على فتات غانا والجابون وأميركا اللاتينية. ومثلهم فعلت تلك (الطالبان) في المجتمع الأفغاني، ولست في حاجة لشرح ظاهرة معروفة.
تحت الحكم الثيوقراطي، حوّل الملالي إيران إلى شعب مجهول غامض ومقفل لا نعرف عن تفاصيل حياته أكثر مما نعرف عن شعب كوريا الشمالية.
وخذ في اللقطة المدهشة الأخيرة فارق الصورة ما بين البصرة وبين أربيل في جنوب العراق وشماله، حيث الأخيرة المزدهرة لأنها، وبالقدر، نـجت من حناجر الكهنة.
الخلاصة أن إخوتنا الشيعة الكرام على هذه الخريطة يذهبون إلى اتجاه مخيف. لم يعد مستقبلهم بالغ الخطورة عليهم وحدهم، بل على الجميع من حولهم وعلى العالم بأسره. يذهبون إلى مزيد من الفقر والجهل، ويبنون من حولهم جدرانا من العزلة وصناعة الأعداء الوهميين، مستسلمين لصوت الحناجر والخناجر. وضعوا أنفسهم وبأنفسهم في قضية مستقبل وجود ستصبح معها الفوارق ضوئية هائلة…. وبيننا الأيام.
الوطن