رأي

كلام النهار يمحوه الليل !! … د. عبدالله غريب

• هذا المثل بصيغته الحالية عكس ما هو عليه أصلا وإن كان المثل بوجهيهما يعتبران وجهان لعملة واحدة هي التضييع فيما يرى البعض أن الأصل هو “كلام الليل يمحوه النهار ” ودائما ما يمر علينا مرور الكرام ونطلقه دون الإمعان في معناه ونتائجه ونسمعه فلا نعيره أي اهتمام مع العلم أن فيه حكمة ترتبط بطبيعة الليل والنهار إذ أن الحديث في الليل دائما ما يكتنفه الهمس واستسهال الأمور والوعود الفضفاضة فيما يأتي النهار فيضيع الكلام في وضح النهار وقد يصبح غير قابل للتطبيق من الخوف ولكن بعض العارفين يؤكد أنه قد يتقلص في الليل تنفيذ ما التزم به الشخص في النهار وخاصة في بعض الأعمال الإيجابية وهذا ما نراه من بعض المسؤلين عن خدمات الناس إذ يطلقون الوعود ولا يوفون بما التزموا به وفيهم يطلق المثل على الوجهين وخير دليل عدم الوفاء بوعود قديمة تتجددبإيجاد ساحة شعبية للشباب بالباحة يقضون فيها وقت فراغهم وبالذات في الصيف حيث يبقى الكثير منهم في الشوارع والميادين يهيمون بوجوههم دون وجود مكان يستوعب أعدادهم سواء في محافظات منطقة الباحة أو بالذات في مدينة الباحة مما يجعلهم يتسللون لمواقع مخصصة للأسرة كما في غابة رغدان مما يتضايق منه العائلات .

في المقابل ينشط شياطين الإنس فيبكرون للبحث في النهار عن تنفيذ ما اتفق عليه ليلا مع أقرانهم ونظرائهم وكما جرت العادة لخفافيش الظلام فهم لا يتحركون إلا ليلا حيث تنظّم فيه المؤامرات وتحاك فيه الدسائس وتتعاظم فيه ترويج المشاحنات وتنشط فيه الأعمال التي يكره الشخص أو الأشخاص الإطلاع عليها من قبل الآخرين وعادة ما يرتبط وقتها بأواخر الليل وقت السهر السلبي لولا متابعة العيون الساهرة على أمننا وبالتأكيد فإن طبيعة المسلم تستوجب استغلال هذه الأوقات في صلاة القيام والمناجاة والدعاء والاستعداد لأداء صلاة الفجر واستقبال النهار الذي جعله الله معاشا وجعل الإنسان فيه أكثر نشاطا وحيوية واستيعابا وإدراكا وتحصيلا وإقبالا على العمل .

السهر عادة دخيلة على مجتمع القرية بالذات التي كانت إلى عهد قريب الملاذ الآمن الوحيد لمن يريد الخلود للراحة والتمتع بسكون الليل وهدوئه بعيدا عن صخب المدنية وضجيجها إلا أن ما طرأ من طغيان وتأثر وتغيير في عاداتها وتقاليدها بسبب ترف الحياة أفقدها تلك الميزات التي كانت تحسد عليها فيما استسلم المجتمع ولم يظهر أي مقاومة لهذا الوافد من المدينة بل تجرعه ولم يكد يسيغه وتسارع قبول أطيافه وبإسراف منقطع النظير أفرادا وأسرا صغارا وكبارا ذكورا وإناثا إلا من رحم ربي وخضع له السواد الأعظم دون تقنين أو تقييم بل تجاوز الحدود المعقولة في الأمور المباحة وغير المباحة كما هو الحال في عادات الزواج والولائم واللبس والمراكب والتأثيث وكماليات الحياة على حساب الضروريات مما ترتب عليه مفاسد دينية وأخرى دنيوية أدت إلى آثار سلبية في المجتمع بقصد وعن غير قصد يميل نوعا ما للمباهاة والتقليد الأعمى والقبول الساذج أحيانا .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة ) والسهر طوال ليالي العام ظاهرة يزيد خطرها في مواسم الإجازات وبالذات في الصيف الذي نحن على أبوابه بعد أن أصبحت المناطق الأكثر اعتدالا في الجو مستهدفة بهذه الظاهرة المقيتة التي تستوجب إجراء دراسات مستفيضة من قبل الجامعات ومراكز البحث العلمي والطبي والمجتمعي والإعلامي .

إن السهر الطويل يعتبر أحد مظاهر الإسراف كذلك النوم طوال ساعات النهار فهما يقعان على طرفي نقيض في ما جعل الليل والنهار من أجله قال تعالى ( ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ) وهذا قدوتنا رسولنا الكريم الذي كان يكره النوم قبل العشاء كما انه يكره الحديث بعدها وهاهم الأطباء ينصحون ويؤكدون على ضرورة النوم مابين 6-8 ساعات يوميا جميعا في الليل نوما متواصلا وعميقا دون يقظة حتى يأخذ الجسم حقه ليعاود نشاطه من بعد صلاة الفجر كما قال المصطفى : ( بارك الله لأمتي في بكورها ) إذ أنه ثبت طبيا عدم فائدة نوم النهار ولا يعوض عن نوم الليل عدا ساعة القيلولة كما ثبت في الحديث النبوي مضار النوم عن صلاتي العصر والفجر التي يطلق عليهما صلاة البردين والأولى بالصلاة الوسطى التي حث القرآن الكريم بالمحافظة عليها كيف لا وهما الصلاتان اللتان يتعقبان ملائكة الرحمن عباده فيهما ويبلغان الرب جل في علاه كيف وجدوا عباده وقتهما .

إن المجتمع بحاجة ماسة إلى مراجعة هذه السلوكيات والعادات الغير صحية والتي أفقدته التواصل والتقارب والإصلاح كما أفقدته الحياة الصحيحة التي تساعد على الإنتاجية والعمل الذي ارتبط وقته بالنهار وليس الليل الذي يقضيه الجميع في ترفيه ممل ومشاهدات عبر القنوات الفضائية دون انتقاء أو تمييز لما هو نافع أوضار وبين ما هو غث وسمين ولا بأس من المشاركة في البرامج النافعة وحضور الندوات العلمية والمحاضرات الدينية والأمسيات الثقافية عبر القنوات المؤهلة لاستقطاب المجتمع كالأندية الأدبية مثلا ومراكز التنمية الاجتماعية التي دائما ما تسدل الستار عن برامجها في وقت مناسب وبهذه المناسبة فإني أتمنى تبني استضافة من لديه القدرة للحديث والتحليل عن ظاهرة السهر ومضارها من الناحية الطبية والدينية والاجتماعية ولتكن من خلال منبر حر عبر منابر خطب الجمعة ومنصات المؤسسات الثقافية ولجان التنمية الاجتماعية والمراكز الصيفية للطلاب لنقف عند حدود معقولة تحفظ لنا ديننا ودنيانا وتجعلنا أكثر التزاما بعاداتنا وتقاليدنا بعيدا عن الأخذ بكل جديد حتى ولو أنه غير مفيد والله من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى