القيادة موقف … محمد النغيمش *
•عندما خسر الألمان في الحرب العالمية بدأوا يبحثون
عـن آلية يحسنون فيها آلية اختيار قادتهم. فكانوا من الـــــرواد الــذيــن اســتــخــدمــوا الاخــتــبــارات فــي انــتــقــاء أفـــراد يتحلون بـ »صفات« قيادية. تبعهم علماء كبار في الولايات المتحدة بجمع شتات تلك الصفات وغيرها لتتراكم نظريات عــدة ُأطـلـق عليها فيما بعد »نظرية الـرجـل العظيم«؛ إذ كــان ُيعتقد أن أمــر الـقـيـادة مرتبط بتوافر تلك »السمات العظيمة« التي تجعل منك قيادياً فــذاً، غير أنـه قـد تب ّين لاحقاً أن القيادة مرتبطة بـ »سلوك – behavior« لا بصفات، ثم سرعان ما استقرت النظريات الحديثة على أن القيادة أقربإلى»الموقف-situation«،إذتقّدرقوةالقائدبمدى
حسن تعامله مع المواقف التي تعترضه. وهذا الأمر يعكسه واقع الحال، فتجد أن أشهر رؤساء
الشركات الكبرى في سوق وول ستريت ليسوا ممن يتحلون بالضرورة بـ»سمات« معينة. فما أكثر َمن يفتقرون إلى صــفــات مـثـل المــقــدرة عـلـى الــتــحــدث بـطـريـقـة مـلـهـمـة أمــام الجمهور مثل رئيس شركة »أبــل« الراحل ستيف جوبز، وخليفته، لكنهما يقودان باقتدار شركة تجاوزت أرباحها مداخيل بلدان عربية مجتمعة. وذلك بقيادة الموقف، الأمر الذي يتماشى مع ما توصل إليه العلم من أنه ليستً هناك صـفـات مــحــددة »تـضـمـن« لــك أن تـكـون قــائــداً فــعــالا. ولـو كان الأمر كذلك لألغت كل جامعات العالم ومعاهد تأهيل
القيادات مناهجها وركزت على حفنة »سمات« ُ. ورغـــم ذلــك فــإن الـشـائـع أن الـعـربـي لـديـه عــقــدة صفة الــكــاريــزمــا لاعــتــقــاد الـبـعـض أنــهــا أهـــم صـفـة لـلـقـيـاديـين. غير أن دراســة شهيرة وواسـعـة النطاق َ اسمها »مشروع غلوب« عندما درست أكثر من ٦٠ دولة تب َّين أن تصورات الــعــرب تـجـاه »كـيـف يـجـب أن تـكـون الـقـيـادة المـثـالـيـة« قد خلت نقاطها الثلاث الأولــى من الكاريزما، حيث حـّل في المرتبة الأولى تح ّلي قائدهم بخصلة المقدرة على حمايتهم )self – protective( وتوفير الأمــان لهم وحفظ مـاء وجهه مـنالإخـفـاقـاتالمرتبطةبـهأوبالعاملينمعه،فضًلاعن »إنسانيته« ثم »استقلاليته«. بخلاف الحال عن بريطانيا وأمـيـركـا اللتين كــان الـنـاس فيهما يـنـشـدون فـي قائدهم الكاريزما في المقام الأول ثم »روح المشاركة« فـ»إنسانيته« ثم »تمحوره حول فريق العمل«، وخلت من »استقلاليته«، ربما لأنها أمر مفروغ منه في ثقافتهم. وقد يكمن السبب وراء تلك الاختلافات في أن كل شعب يبحث عما يفتقر إليه. وبـصـورة عامة أوصلتنا النظريات الحديثة وواقـع الــحــال إلــى أن الـقـيـادة مرتبطة فعلياً بـمـوقـف المــســؤول، وحسن تعامله، وتقديره لقراراته، ولمجريات الأحداث من حوله. ولذا فإن القياديين، في الواقع، بحاجة إلى »مهارات عصرية« تعينهم على حسن التعامل مع »المواقف« التي تعترضهم، والتي تزداد تعقيداً يوماً تلو آخر.
الشرق الأوسط